سورة نوح - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


قوله تعالى: {أن أنذر قومك} أي: بأن أنذر قومك. والعذاب الأليم، الغَرَق.
قوله تعالى: {أن اعبدوا الله} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، وعلي بن نصر عن أبي عمرو {أنُ اعبدوا الله} بضم النون. وقرأ عاصم، وحمزة، وعبد الوارث عن أبي عمرو {أنِ اعبدوا الله} بكسر النون. قال أبو علي: من ضم كره الكسر.
قوله تعالى: {وأطيعونِ} أثبت الياء في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: {من ذنوبكم} {مِن} هاهنا صلة. والمعنى: يغفر لكم ذنوبَكم، قاله السدي، ومقاتل. وقال الزجاج: إنما دخلت {من} هاهنا لتختص الذنوب من سائر الأشياء، ولم تدخل لتبعيض الذنوب، ومثله {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} [الحج: 30] وذهب بعض أهل المعاني إلى أنها للتبعيض. والمعنى: يغفر لكم من ذنوبكم إلى وقت الإيمان {ويؤخركم} أي: عن العذاب {إلى أجل مسمى} وهو منتهى آجالهم. والمعنى: فتموتوا عند منتهى آجالكم غير مِيتة المعذَّبين {إنَّ أجلَ الله} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أجل الموت، قاله مجاهد. فيكون المعنى: إن أجل الله الذي أَجَّلكم إِليه، لا يُؤَخَّرُ إذا جاءَ، فلا يمكنكم حينئذ الإيمان.
والثاني: أنه أجل البعث، قاله الحسن.
والثالث: أجل العذاب، قاله السدي، ومقاتل.


قوله تعالى: {فلم يزدهم دعائي إِلا فراراً} أي: تباعداً من الإيمان {وإني كلما دعوتهم} إلى الإيمان والطاعة {جعلوا أصابعهم في آذانهم} لئلا يسمعوا صوتي {واستغْشَوْا ثيابهم} أي: غطوا بها وجوههم لئلا يَرَوْني {وأصَرُّوا} على كفرهم {واستكبروا} عن الإيمان بك واتِّباعي {ثم إِني دعوتهم جهاراً} أي: معلناً لهم بالدعاء. قال ابن عباس: بأعلى صوتي {ثم إني أعلنت لهم} أي: كرَّرت الدعاء معلناً {وأسررت لهم إِسراراً} قال ابن عباس: يريد أكلِّم الرجل بعد الرجل في السِّرِّ، وأدعوه إلى توحيدك وعبادتك {فقلت استغفروا ربكم} قال المفسرون: منع الله عنهم القطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فقال لهم نوح {استغفروا ربكم} من الشرك، أي: استدعوا مغفرته بالتوحيد {يرسلِ السماء عليكم مدراراً} قد شرحناه في أول [الأنعام: 6] ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة.
قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً؟} فيه أربعة أقوال.
أحدها: لا تَرَوْن لله عظمة، قال الفراء، وابن قتيبة.
والثاني: لا تخافون عظمة الله، قاله الفراء، وابن قتيبة.
والثالث: لا تَرَوْن لله طاعة، قاله ابن زيد.
والرابع: لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد، قاله الزجاج {وقد خلقكم أطواراً} أي: وقد جعل لكم في أنفسكم آيةً تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة، ثم من علقة شيئاً بعد شيء إلى آخر الخلق. قال ابن الأنباري: الطَّوْر: الحال، وجمعه: أطوار. وقال ابن فارس: الطَّوْر: التارة، طوراً بعد طور، أي: تارةً بعد تارة. وقيل أراد بالأطوار: اختلاف المناظر والأخلاق، من طويل، وقصير، وغير ذلك، ثم قَرَّرَهم، فقال تعالى: {ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً} وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: {طباقٍ} بتنوين القاف، وكسرها من غير ألف. وقد بيَّنَّا هذا في سورة [الملك: 3].
قوله تعالى: {وجعل القمر فيهنَّ نوراً} فيه قولان:
أحدهما: أن وجهَ القمر قِبَل السموات، وظهرَه قِبَل الأرض، يضيء، لأهل السموات، كما يضيء لأهل الأرض، وكذلك الشمس، هذا قول عبد الله ابن عمرو.
والثاني: أن القمر في السماء الدنيا، وإنما قال {فيهن} لأنهن كالشيء الواحد، ذكره الأخفش والزجاج، وغيرهما. وهذا كما تقول: أتيت بني تميم، وإنما أتيتَ بعضهم، وركبتُ السفن، {وجعل الشمس سراجاً} يستضيء بها العالم {والله أنبتكم من الأرض} يعني: أن مبتدأ خلقكم من الأرض، وهو آدم {نباتاً} قال الخليل: معناه: فنبتُّم نباتاً. وقال الزجاج: {نباتاً} محمول في المصدر على المعنى، لأن معنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتاً. قال ابن قتيبة: هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر، لأنه جاء على نبت. ومثله: {وتبتَّل إليه تبتيلاً} [المزمل: 8] فجاء على بَتَّل.
قال الشاعر:
وَخَيْرُ الأَمْرِ ما استقبلتَ منـ *** ـه وليس بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّباعاً
فجاء على اتَّبَعْتُ. وقال الآخر:
وإن شئتم تعاودنا عواداً ***
فجاء على عوادنا وإنما تجيء المصادر مخالفة الأفعال، لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها، واحدة في المعنى.
قوله تعالى: {سبلاً فجاجاً} قال الفراء: هي الطرق الواسعة.
قوله تعالى: {واتَّبعوا مَنْ لم يزده مالُه وولدُه} قرأ أهل المدينة، وابن عامر، وعاصم، {ووَلَده} بفتح اللام والواو. وقرأ الباقون {وُلْده} بضم الواو، وسكون اللام. قال الزجاج: وهما بمعنى واحد، مثل العَرَب، والعُرْب، والعَجَم، والعُجْم، وقرأ الحسن، وأبو العالية، وابن يعمر، والجحدري، {وَوِلْده} بكسر الواو، وإسكان اللام. قال المفسرون: المعنى: أن الأتباع، والفقراء اتَّبَعوا رَأْيَ الرؤساء والكبراء.
قوله تعالى: {ومكروا مكراً كُبَّاراً} قرأ أبو رجاء، وأبو عمران: {كُبَارا} برفع الكاف، وتخفيف الباء. وقرأ ابن يعمر، وأبو الجوزاء، وابن محيصن: {كِبَارا} بكسر الكاف مع تخفيف الباء. والمعنى: كبيراً يقال: كبير، وكبار، وقد شرحنا هذا في أول {ص} ومعنى المكر: السعي في الفساد. وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم من الإيمان بنوح {وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهتَكم} أي: لا تَدَعُنَّ عبادتها {ولا تَذَرُنَّ وداً} قرأ أبو جعفر، ونافع بضم الواو. والباقون بفتحها. وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم. وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح. ونشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صُوَرَهُمْ كان أنشط لكم، وأشوق للعبادة، ففعلوا. ثم نشأ قوم بعدهم، فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم، وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت. وسميت تلك الصور بهذه الأسماء، لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمّين بهذه الأسماء. وقيل: إنما هي أسماء لأولاد آدم، مات، منهم واحد، فجاء الشيطان فقال: هل لكم أن أصور لكم صورته، فتذكرونه بها؟ فصورها. ثم مات آخر، فصور لهم صورته، إلى أن صور صوراً خمسة. ثم طال الزمان. وتركوا عبادة الله، فقال لهم الشيطان: ما لكم لا تعبدون شيئاً؟ فقالوا: لمن نعبد؟ قال هذه آلهتكم، وآلهة آبائكم، ألا ترونها مصوَّرة في مصلاكم؟! فعبدوها. وقال الزجاج: هذه الأصنام كانت لقوم نوح، ثم صارت إِلى العرب، فكان ود لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لبني غطيف، وهم حي من مراد. وقيل: لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمَّها التراب، فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين، قال الواقدي: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة النسر من الطير.
قوله تعالى: {وقد أضلوا كثيراً} فيه قولان:
أحدهما: وقد أضلت الأصنام كثيراً من الناس، أي: ضلوا بسببها.
والثاني: وقد أضلَّ الكبراء كثيراً من الناس {ولا تزد الظالمين} يعني: الكافرين {إلا ضلالاً} وهذا دعاء من نوح عليهم، لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون.


قوله تعالى: {مما خطيآتهم} ما: صلة. والمعنى: من خطيآتهم: أي: من أجلها، وسببها، وقرأ أبو عمرو {مما خطاياهم} وقرأ أبو الجوزاء، والجحدري {خطيئتهم} من غير ألف {أُغرقوا فأُدخلوا ناراً} قال ابن السائب: المعنى: سيدخلون في الآخرة ناراً، فجاء لفظ الماضي بمعنى الاستقبال، لأن الوعد حق، هذا قول الأكثرين. وقال الضحاك: فأُدخلوا ناراً في الدنيا، وذلك أنهم كانوا يغرقون من جانب، ويحترقون في الماء من جانب.
قوله تعالى: {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} أي: لم يجدوا أحداً يمنعهم من عذاب الله.
قوله تعالى: {دَيَّاراً} قال ابن قتيبة: أي: أحداً. يقال: ما بالمنازل دَيَّارٌ، أي: ما بها أحد، وهو من الدار، أي: ليس بها نازل داراً. وقال الزجاج: أصلها دَيْوار فَيْعَال، فقلبت الواو ياءً، وأدغمت إحداهما في الأخرى. وإِنما دعا عليهم نوح لأن الله تعالى أوحى إليه {لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} [هود: 36].
قوله تعالى: {يُضِلُّوا عبادك} وذلك أن الرجل منهم كان ينطلق بابنه إلى نوح، فيحذِّره تصديقه.
قوله تعالى: {ولا يَلِدُوا إلا فاجراً كفاراً} قال المفسرون: إن الله تعالى أخبر نوحاً أنهم لا يلدون مؤمناً، فلذلك علم الفاجر الخارج عن الطاعة.
قوله تعالى: {رب اغفر لي ولوالديَّ} قال الحسن: وذلك أنهما كانا مؤمنَين. وقرأ أبو بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، والجحدري، والجوني {ولوالدِي} ساكنة الياء على التوحيد. وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، وابن يعمر، والزهري، والنخعي {ولولَدَيَّ} من غير ألف على التثنية {ولمن دخلَ بيتي} وقرا حفص عن عاصم {بيتيَ} بفتح الياء. وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: منزله، قاله ابن عباس.
والثاني: مسجده، قاله الضحاك.
والثالث: سفينته، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {وللمؤمنين والمؤمنات} هذا عام في كل من آمن {ولا تزد الظالمين} يعني: الكافرين {إلا تَبَاراً} أي: هلاكاً. ومنه قوله تعالى: {تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} [الفرقان: 39].